ها هو شهرُ الرحمةِ قد أطلّ علينا ، ها هو شهرُ العتقِ من الّنيرانِ قد أظلّنا ، ها هو المُنادي يُنادي ...
يا باغي الخيرِ أقبِل ... ويا باغي الشرِّ أقْصِر ..
ها هي أبوابُ النّيرانِ قد أُغْلِقتْ ، وأبوابُ الجِنَان قدْ فُتّحتْ ، ها هي الشياطينُ قد صُفّدت ..
ها هي الرحماتُ قد أُنْزِلَتْ ، ها هي المغْفرة قد تناثرت..
فأين المُشمّرون للطّاعات ، وأينَ الخائِفون المنيبُونَ الرّاجون لرحمةِ الله ، الطّالِبُون العتقَ من النيرانِ أيْن أصْحابُ الهِمّة ، أين منْ يُريدون الجنّة ،
ها هي الجنّة قد أُزْلِفت غيرَ بعيد .
وأينَ المُذنِبونَ ، وأين المُخْطِئونَ ، الذين على أنفُسِهم مُسْرفونَ ، ها هي النّار أبْوابُها قدْ أُغْلِقت .
هيا أحبتي في الله تعالى ..
لِنَنطلِق سَويّا في هذا اليوم ، لنُكْثِر من الطاعاتِ ، ونُعاهِد ربّ البَرٍيّات أن لا عودةَ للمَعاصِي والسّيئات .
وإيّاكَ إيّاكَ ! أن تُكْتَبَ في هذا الشّهرِ منَ المحْرومين ، فيا ويْحَك إن فأتتْك هذه الفُرصة ، ورَغِمَ أنْفُك إن لمْ يَغْفِر لك الله .
اجْتَهِد وثابِر وشدّ المِئْزَر وتَنقّل في رِياض الطّاعات ، من قِيام بالليلِ وإفطارٍ للصّائمينَ ، وإعانة أرمَلةِ ومسْكين ، ومَسْحٍ على رأسِ يَتيم ، وتلاوةٍ للقرآن الكريم ..
ولن يخيّبَ الله سعيَ المُخْلِصين .
فيا أيّها المُذنب .. ليسَ لكَ عُذر بعدَ ذلكَ ، قدْ هيّأ الله لكَ جميعَ السُّبل لتُقبِلَ إليه ، وتنُوبَ وتُقلِعَ وتعودَ إليه بِقلبٍ تائبٍ مُنيبٍ أواه .
فاشْترْ نفْسَكَ ، فالثّمنُ موجُود والسّوقُ قائِم ، والكيّسُ من دانَ نفسُه وعَمِل لما بعدَ المَوت ، والشّقي من تَمنّى على الله الأمَاني فجَاءه مَلكُ الموتِ فأخَذه على حينِ غِرّه فَصَاحَ بأعلى صوتِهِ ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) ولا ينفع حينِها مندم
نحن مقبلون على شهر عظيم ألا وهو شهر رمضان وما أدرك ما شهر رمضان
شهر البر والإحسان .. شهر أوله رحمة .. وأوسطه مغفرة .. وآخر عتق من النيران. .
شهر تمنى النبي صلى الله عليه وسلم لقائه إذ قال في دعائه (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)
فقبل لقائه هو في شوق وحنين إلى لقائه كيف .. وهو شهر الصبر .. شهر الطاعة .. شهر الإبانة والذكر ..
لذالك والله ما ودعه مؤمن إلاّ وقلبه يحترق لفراقه وما انصرف شهر رمضان عن عبدٍ صالحٍ قام بحقه وقدره إلاّ كان انصرافه في قلبه حزاناً شوقاً وحنيناً لا يعلمه إلا الله عز وجل. .
** كم دخله بعيد من الله فقربه الله .؟
** كم دخله محروم فأعطاه الله .؟
** كم دخله مسيء فتاب عليه الله .؟
لذالك كان الأخيار من سلف هذه الأمة يتمنون لقائه يدعون الله وصوله وبلوغه
ولي وإياكم أيها الأحبة (خمس وقفات) قبل حلول هذا الشهر العظيم
الوقفة الأولى
إذا قدم عليك شهر رمضان فوضعت أول قدم على أعتابه فحري بك أن تتذكر نعمة من الله أسداها إليك ومنة من الله أولاها إليك هذه النعمة أن بلغك الله شهر رمضان .. هذه النعمة أن كتب الله لك الحياة إلى بلوغ هذا الشهر .. كم من قلوبٍ حنت واشتاقت إلى لقاء هذا الشهر .. ولكن انقطع به القدر .. وانقطع بها الأثر فهم تحت الثرى في القبور .. فإذا بلغت شهر رمضان فتذكر منة الله عليك واحمد الله على الوصول والبلوغ وقل بلسان الحال والمقال اللهم لك الحمد على أن بلغتني رمضان لا أحصي ثناء عليك .. إن قلت هذا وتمكنت هذه النعمة من قلبك تأذن الله لك بالمزيد (ولأن شكرتم لأزيدنكم ) وحري بأن تصاب برحمة الله عز وجل .. والله ما شكر عبد نعمة من نعم الله عز وجل إلاّ بارك الله له فيها .
وإذا بلغت شهر رمضان تذكر أناس حيل بينها وبين الصيام والقيام .. الآلام والأمراض والأسقام فهم على الأسرة البيضاء .. إذا تذكرت ذلك .. ورأيت الصحة والعافية في بدنك فحمد الله على الوصول والبلوغ .. واسأله أن يعينك على طاعته وذكره وشكره وحسن عبادته..
الوقفة الثانية
عقد النية على صلاح القول والعمل .. فلتكن من بدية هذا الشهر عزم بينك وبين الله على المسير إلى الله
والتقرب إليه بطاعة وذكره وحسن عبادته
وهذا أمر ينبغي أن يتذكر من بداية هذا الشهر أن تعقد النية على صلاح القول والعمل
كم من أناس أدركوا شهر رمضان وأدركوا يوماً أو يومين ..
ولكن قدر الله المنية قبل بلوغ آخره فأعطاهم الله الأجر كامل .. لأنهم كانوا يطمحون ويطمعون في فعل المزيد من الطاعات .. ولكن قدر الله المنية قبل بلوغ آخره فأعطاهم الله الأجر كامل
الوقفة الثالثة
وهي وصية نبوية فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه احدٌ أو شاتمه فليقل إني )
لأن الصيام لا يقتصر عند الإمساك عن الطعام والشراب فحسب
ولكن هناك صيام عن الإحجام عن الكلام الذي لا يرضي الله عز وجل
هناك صيام عن الأفعال الذي تسخط الله عز وجل
لان الصائم لا يصح له أن يرتكب لقط الكلام ورفثه .. فحفظ لسانك ولا تتفوه إلا بما يرضي الله عز وجل..
الوقفة الرابعة
هذا الشهر هو شهر التوبة الإنابة والمغفرة .
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :-
( إن الله يبسط يده بالليل حتى يتوب مسيء النهار
ويبسط يده بالنهار حتى يتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )
ذنوب العام كل العام تمحى لمن صدق مع الله في هذا الشهر
نعم أيها الأحبة والله ذنوب العام كل العام تمحى لمن صدق مع الله في هذا الشهر
أيها الأحبة
**من لم يتب إلى الله عز وجل في رمضان فمتى يتوب .؟
**ومن لم يعد إلى الله عز وجل في رمضان فمتى يعود .؟
فالبدار البدار بالتوبة قبل حلول الآجال …
الوقفة الخامسة
من الأمور المهمة التي ينبغي الشخص أن يفعلها قبل حلول رمضان
أن يتفقه في أحكام الصيام وما يتعلق [ بشروطه وآدابه وسننه وما يجب وما لا يجب إلى غير ذلك ]
حتى يهيئ نفسه لاستقبال شهر رمضان .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( من يرد الله فيه خير يفقه في الدين )
فمن لا يسأل عن أمور دينه ولا يتفقه في أحكام الصيام ما أراد الله به خير بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
(من يرد الله فيه خير يفقه في الدين)
وأخيرا : هذه بعض الأمور التي نستقبل بها هذا الشهر ..
فاغتنم أيام هذا الشهر .. ولياليه .. وساعاته .. في الاستزادة من الخير والإقبال على الله عز وجل ..
فإن العاقل والله لا يفرط في هذه الأيام .. وما يدريك لعلك مكتوب في سجل الأموات هذا العام .. وما يدريك لعلك لا تدرك رمضان المقبل..
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب *** حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقـد أظلك شـهر الصوم بعدَهُما *** فلا تصيره شهر تضييع وعصيان واتلـوا القـران ورتل فيه مجتهـداً *** فإنه شـهر تسبيـح وقـران
كم كنت تعرف ممن صام من سلف *** من بين أهلنٍ وجيرانٍ وإخوانِ
أفناهـم الموت واستبقاك بعدهم حي *** فما اقرب القاصي إلى الداني
اللهم بلغنا شهر رمضان .. اللهم بلغنا شهر رمضان ..
اللهم بلغنا شهر رمضان وأعنا فيه على الصيام والقيام .. واجعلنا فيه ووالدينا من عتقائك من النار ...
نسألُ الله أنْ يعتِقَ رِقابنا ورِقابكم من النّار ، ويُدخِلنا الجنّة مَع الأبْرار ....
انشاء الله....