طل آخر يطل علينا، ولكن هذه المرة بطل من صنف آخر، ونمودج يباهي الله به الملائكة، رجل ليس نبيا ولاصحابيا، ولكن أخلاقه أخلاق الأنبياء والصحابة، رجل تعرضت له إمرأة باهرة الجمال فقال إني أخاف الله، بل وكان سبب هدايتها وتوبتها، إنه قاضي مكة عبيد بن عمير، فتعالوا نبدأ الحكاية من أولها.
كانت امرأة جميلة بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يوما إلى وجهها فيالمرآة، فأعجبت بجمالها، فقالت لزوجه:
أترى يرى أحد هذا الوجه لا يفتتن به ؟!
قال: نعم
قالت: من ؟
قال: عبيد بن عمير.
قالت: فأذن لي فيه فلأفتننه ! !
قال: قد أذنت لك ! !
فأتتهكالمستفتية، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام، فأسفرت المرأة عن وجهها،فكأنها أسفرت عن مثل فلقة القمر.
فقال لها: يا أمة الله !
فقالت:إني قد فتنت بك، فانظر في أمري.
قال: إني سائلك عن شيء، فإن صدقت، نظرت في أمرك.
قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك.
قال: أخبرينيلو أن ملك الموت أتاك يقبض روحك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟
قالت:اللهم لا.
قال: صدقت .
قال: فلو أدخلت في قبرك، فأجلست لمساءلةأكان يسرك أني قد قضيت لك هذه الحاجة؟
قالت: اللهم لا.
قال: صدقت .
قال: فلوأن الناس أعطوا كتبهم لا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك ،أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟
قالت: اللهم لا.
قال: صدقت .
قال: فلو أردت المرور على الصراط، ولا تدرين تنجين أم لا تنجين، أكانيسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟
قالت: اللهم لا .
قال: صدقت.
قال: فلو جيء بالموازين، وجيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين، أكان يسركأني قضيت لك هذه الحاجة؟
قالت: اللهم لا.
قال: صدقت .
قال: فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟
قالت: اللهم لا.
قال: صدقت.
ثم قال لها: اتق الله يا أمة الله .،فقد أنعم الله عليك، وأحسن إليك، فرجعت إلى زوجها .
فقال لها: ما صنعت؟ فقالت له: أنت بطال، ونحن بطالون، ثم أقبلتعلى الصلاة، والصوم،والعبادة.
لعلنا نتساءل عن سر هذا الرجل في صد الغواية وكبح الشهوة، ولن نجد إلا جوابا واحدا، إنه استحضار رقابة الله، لقد كان متيقنا أن عين الله ترقبه، والملائكة تحصي أعماله، وملك الموت، والميزان، و.. و.. وصدق رب العالمين إذ يقول "ما يلفظ من قول إلا عليه رقيب عتيد" سورة ق.
فمن أراد المعصية، فليطرح على نفسه نفس الأسئلة ثم يتخد القرار.