قصة سيدنا صالح عليه السلام
في تلك الوديان الفسيحة التي تدعى " وادي القرى " في شمال شبه جزيرة العرب و في عصور ما قبل التاريخ عاشت قبيلة ثمود .
و قبيلة ثمود من القبائل العربية البائدة التي لم يرد لها ذكر في التاريخ الانساني . . سوى ما ورد من قصّتهم في القرآن الكريم أو في احاديث سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) .
ظهرت هذه القبيلة بعد أن بادت قبائل عاد في وادي الاحقاف .
اشتغل أهلها بالزراعة ، يحفرون الآبار و يحرثون الحقول ، وينحتون بيوتهم في قلب الجبال . . و كانت مواشيهم ترعى في المروج بسلام . فازدهرت بساتينهم و مزارعهم و أصبحت محمّلة بالثمار هكذا كانت تعيش قبيلة ثمود .و بدل أن يشكروا الله و يعبدوه . . طغى الاثرياء و المترفون و اتجه أفراد تلك القبيلة إلى عبادة الأوثان من دون الله .و في تلك الفترة عاش سيدنا صالح ( عليه السلام )كان إنساناً طيّباً و حكيماً و كان الناس يحبّونه كثيراً لما عرف عنه من الخصال الحميدة و الصفات الحسنة . . و كان بعض أفراد القبيلة يفكرون بان صالح سيكون له شان ومنزلة و ربّما سيرأس قبيلة ثمود القويّة .الله سبحانه اختار سيدنا صالح ليكون رسولاً إلى قبيلته ، لينهى الناس عن عبادة الأوثان و يعبدوا الله وحده .سيدنا صالح كان يعرف أنّ عبادة الاوثان متأصلة في قلوبهم لأنها عبادة الآباء والأجداد . . و كان يعرف أنّ زعماء القبيلة اُناس مفسدون لا يحبّون الخير . . و هم يبطشون بكل من يدعو الناس إلى الانصراف عن عبادةالأصنام و لكن سيدنا صالح ( عليه السلام )هو نبي الله و رسوله و هو لا يخاف أحداً غير الله عزوجل لهذا أعلن سيدنا صالح دعوته و بشّر برسالته ، و من هنا بدأ الصراع .بدأ الخير صراعه ضد الشر ، و بدأ النبي المؤمن صراعه ضد الأشرار الكافرين .و كان في قبيلة ثمود تسعة رجال أقوياء و كانوا جميعاً يفسدون في الأرض ولا يصلحون .كانوا يكرهون الخير و يميلون إلى الشر .ذات يوم ذهب أفراد القبيلة إلى صخرة كبيرة في الجبل كانوا يعبدونها منذ زمن بعيد . . الأطفال كانوا يشاهدون آباءهم يعبدون تلك الصخرة فعبدوها مثلهم . . و عندما كبروا ظلّوا يعبدونها أيضاً .الصخرة أصبحت مقدسة لدى القبيلة . . الناس يذبحون عندها الخراف . . و يقدّمون لها القرابين ، ويطلبون منها الرزق و البركة !!و رأى صالح ( عليه السلام ) ما يفعل قومه فحزن من أجلهم . . لهذا ذهب اليهم عند الصخرة المقدسة !!قال لهم سيدنا صالح : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره .قال بعضهم : كيف نعبده وحده ؟!قال صالح ( عليه السلام ): لأنّه هو الذي خلقكم الذي يرزقكم قالوا : ان الله بعيد عنا و نحن لا نستطيع أن نسأله . . لهذا فنحن نعبد بعض مخلوقاته الشريفة . . و هو قد فوّضها أمرنا ، فنحن نتقرّب اليها حتى يرضى عنا .قال صالح ( عليه السلام )بحزن : يا قوم إن الله هو الذي انشأكم و هو الذي أرسلني اليكم لتعبدوه وحده و لا تشركوا بعبادته أحداً . .يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربّي قريب مجيب .قالوا : { يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً } . . كنا نأمل أن نفيد من عقلك و حكمتك . . و ها أنت تأتينا بالأعاجيب . . كيف تدعونا أن نترك الآلهة . . كيف تدعونا الى أن نترك ما كان يعبد آباؤنا و أجدادنا ؟!
لقد أصبحنا نشكُّ في أمرك . . لقد جننت يا صالح !!قال صالح ( عليه السلام ) : لقد أرسلني الله اليكم لتعبدوه ، و أنا لا أطلب على ذلك أجراً أحد و لا أعبد أحداً إلاّ الله الذي خلقني .
قالوا : إذا كنت حقاً رسولاً من الله فهل تستطيع أن تخرج لنا من قلب هذه الصخرة الصمّاء ناقة عشراء .قال لهم النبي صالح ( عليه السلام ) : ان الله قادر على كل شيء و هو الذي خلقنا جميعاً من هذا التراب .قالوا : إنّا لا نؤمن برسالتك حتى تخرج لنا ناقة من قلب هذه الصخرة .و صاح بعضهم : نعم . . و أن تكون عشراء . .أي في بطنها حمل .
قال سيدنا صالح : سأدعو الله فاذا فعل ذلك فهل توحّدوا الله وتؤمنوا بأني رسول منه إليكم ؟
قالوا : نعم يا صالح ، فمتى الموعد ؟قال لهم صالح ( عليه السلام ) : غداً في هذا المكان .مع أوّل خيوط الفجر انطلق صالح صوب الجبل حيث توجد الصخرة الكبيرة .إن ما سيفعله صالح ( عليه السلام )ليس أمراً سهلاً !! كيف يمكن للجبل ان يتمخض عن ناقة ؟!كيف يمكن لهذه الصخرة الصمّاء أن تتشقق فتخرج عنها ناقة عشراء ؟!اجتمعت قبيلة ثمود بأسرها عند الجبل . . كان بعضهم يشكك ، و كان بعض ينظر إلى الجبل و آخرون كانوا يراقبون ما يفعله من بعيد .
رأوا صالح ينظر إلى السماء الزرقاء ، و يتمتم بكلمات كان ينظر بخشوع و ضراعة و كانوا يرون يديه تشيران إلى الجبل و إلى قبيلة ثمود .أدركوا ان صالح يتضرّع إلى ربّه ، يطلب منه آية على صدق رسالته .كان يطلب شيئاً عجيباً ! يطلب ناقة عشراء ، أي مضى على حملها عشرة اشهر تخرج من قلب الجبل . .سيطرت رهبة المكان على الجموع و هي تراقب صالح و تنظر إلى الجبل بصخوره الصماء .جثا سيدنا صالح و دمعت عيناه و هو يطلب آية من ربه فلعل قومه يهتدون . . يعودون إلى فطرتهم فيعبدون الله وحده .فجأة نهض صالح و أشار باصبعه إلى نقطة في الجبل . .
سمع أفراد القبيلة جميعهم صوتاً مهيباً . . صوتاً يشبه تشقق الصخور . . كان الصوت قويّاً مدوّياً .
تساقطت بعض الصخور إلى أسفل الوادي . . و من بين الغبار الخفيف ظهرت ناقة جميلة رائعة .
كانت ناقة عشراء حقاً . .
الناقة كانت وديعة جدّاً يحبها المرء لأوّل نظرة .
سجد سيّدنا صالح لله شكراً و تعظيماً . . انها قدرة الله المطلقة التي تقول للشيء كن فيكون .
طأطأ أفراد القبيلة رؤوسهم إجلالاً و سجد بعضهم لله . .
ها هم يرون آية عظيمة . . أمام أعينهم . . إن ما قاله صالح هو الحق . . إنّ الله واحد لا شريك له .
كانوا قليلين و لكنّ إيمانهم كان إيماناً ثابتاً ثبات الجبل الذي خرجت من قلبه الناقة .
كل افراد القبيلة كانوا ينظرون بانبهار إلى تلك المعجزة . .
أصبحت الناقة رمزاً لرسالة صالح .
أصبحت رمزاً للتوحيد في مقابل الوثنية .
الفصيل الصغير
مرّت ثلاثة أيام و أنجبت الناقة فصيلاً جميلاً محبوباً . .
كان يرافق أمّه دائماً يلعب قربها في وداعة و كانت أمّه ترعاه بحنان . .
أصبحت الناقة و فصيلها الوديع رمزاً للمحبّة و الرحمة .
كلما شاهدها أحد قال ، هذه ناقة صالح .
و لكن سيّدنا صالح قال لهم : هذه ناقة الله . . إنّها آية السماء . . و ايّاكم أن تؤذوها أو تمسّوها بسوء سوف تحلّ بكم لعنة الله إذا فعلتم ذلك .
و تمرّ الأيام و الناقة تعيش في تلك الوديان الفسيحة تأكل من أعشاب الوادي و تقصد بعض العيون فتشرب الماء و ترتوي . .
كانت تهب اللبن لكلّ النّاس . . و كان لبنها طيباً مباركاً .
الصراع
أصبحت قبيلة ثمود جبهتين متصارعتين
جبهة الايمان و جبهة الوثان . .
في كلِّ يوم كان الكفّار يؤذون المؤمنين يسخرون من إيمانهم يقولون لهم : هل حقاً انّكم تؤمنون بأن صالحاً رسول من الله ؟!
و كان المؤمنون يقولون : نعم إنّنا نؤمن برسالته و بما جاء به من عند الله و لا نعبد غير الله .
عندها يقول الكافرون : اننا بما آمنتم به كافرون .
كانوا يعلنون بصراحة كفرهم برسالة الله .
كانوا أثرياء أبطرتهم النعمة . . كانوا يتصوّرون انهم أقوياء جداً .
و كان أكثرهم كفراً تسعة رجال قساة القلوب . . ليس في نفوسهم رحمة لأحد . .
لا يعرفون شيئاً سوى مصالحهم . . ادركوا أنّ صالحاً سيكون خطراً على نفوذهم . . لهذا حقدوا عليه
حقدوا على الناقة لأنها أصبحت رمزاً لنبوّة صالح و صدق رسالته .
المؤامرة :
ذات ليلة و بعد أن نام الناس اجتمع أولئك الرجال التسعة راحوا يأكلون الطعام بشراهة . . أكلوا حتى امتلأت بطونهم .
ثم راحوا يشربون الخمر حتى سكروا . . أصبحت عيونهم حمراء . . كانوا يتحدثون عن شيء واحد ، هو خطر النبي صالح . .
تساءلوا ماذا نفعل ؟ كيف نتخلص من صالح ؟
قال أحدهم : الأفضل أن نتخلص من ناقته
قال آخر : نعم نقتلها إنها الدليل على رسالته . . و عندما نقتلها سيكون ضعيفاً أمامنا . .
قال ثالث : و نقتله هو الأخر .
و قال الرابع : و من الذي يقتلها ؟
الرجل الخامس قال : نعم من الذي يستطيع قتلها ؟
قال الرجل السادس : أنا أعرف من يمكنه قتلها .
سأل الرجل السابع : من هو ؟
تساءل الجميع : من هو ؟
قال الرجل : انه قيدار الشقيّ .
صاح الجميع : نعم قيدار الذي لا يرحم أحداً .
الجريمة :
برقت العيون بالغدر و الجريمة و القتل . . و خرج أحدهم ليستدعي قيدار الشقي .
كان الوقت بعد منتصف الليل و جاء قيدار يحمل معه سيف الغدر . .
سكر قيدار و احمرّت عيناه . . كان هو الآخر يحقد على الناقة . . إنّها رمز الخير و هو يكره الخير . . كان مخلوقاً شقياً شرّيراً ، و الشرّير لا يحب الخير . .
و عندما أغروه بالمال نهض لينفّذ جريمته .
قال المتآمرون : إلى أين يا قيدار ؟
قال قيدار : سأقتلها الليلة .
قال الرجال التسعة المفسدون : كلاّ انتظر حتى يطلع الفجر . . و عندما تذهب الناقة إلى الينبوع فانّك تستطيع قتلها بسهولة .
طلع الفجر و كان قيدار الشقي قد أمضى الليل كلّه يسكر و يعربد .
أصبح وجهه مخيفاً . . أصبح أكثر حمرة ، و كانت عروق وجهه زرقاء فاصبح وجهه مرعباً . . لو رآه انسان في تلك الحالة لعرف أن قيدار سيرتكب جريمة !
استيقظت الناقة و استيقظ فصيلها الوديع و انطلقا إلى النبع ليشربا الماء . .
كان الفصيل سعيداً يمرح . . و كانت الشمس قد أشرقت قليلاً ، فبدت المروج الخضر ملاعب جميلة .
كان فصيل الناقة يحبُّ اللعب في تلك المروج الخضراء و كانت أمّه تأخذه إلى هناك كل صباح . .
و لكن ماذا حدث ذلك الصباح ؟ لماذا لم يذهب الفصيل الصغير ليلعب ؟
ماذا يرى ؟!
شعر بالخوف . . نعم لقد ظهر قيدار الشقي بوجهه المخيف . . ظهر فجأة و اعترض طريقهما .
كان في يده سيف . . أرادت الاُم ان تبتعد و لكن قيدار بادرها بضربة غادرة . . هوت الناقة المسكينة فوق الأرض .
و عاجلها قيدار ليطعنها في رقبتها . . كانت تنظر بحزن إلى فصيلها . . تريد أن تقول له : انج بنفسك كان الفصيل خائفاً مذعوراً فرّ باتجاه الجبل .
جاء الرجال التسعة و راحوا يطعنون الناقة بالسكالين و الخناجر . . و راحت الدماء تسيل ، تلوّن الأرض و تصبغ الصخور .
الطفولة البريئة :
لم يكتف المجرمون من قبيلة ثمود بما فعلوه . . كانت أيديهم ملطخة بدماء الناقة البريئة . . و راح الوثنيون يتخطفون لحمها مثل الذئاب المتوحشة . .
لم يكتفوا بذلك و راحوا يطاردون الفصيل الصغير كان ما يزال طفلاً . . كان خائفاً مذعوراً راح يتسلّق صخور الجبل .
كان يبحث عن ملجأ من هذه الوحوش التي تطارده . . وحوش أشرس من الذئاب .
وقف طفل الناقة الصغير فوق قمّة الجبل ينظر إلى أُمه التي مزّقتها السكاكين و ينظر إلى المجرمين بأيديهم الخناجر و هم يتسلّقون الجبل لقتله .
لم يكن هناك من طريق للنجاة . . نظر إلى السماء و رغا . . رغا ثلاث مرّات قبل أن يطعنه أحد الوثنيين بسكين حادّة . .
وقع الفصيل الصغير فوق الصخور . . و نزفت دماؤه لتصبغ الصخور بلون أحمر رائق .
انهال عليه المجرمون بالسكاكين الحادّة و مزّقوه بوحشية . حتى الذئاب كانت أرحم من أُولئك القتلة الكافرين .
استيقظ سيّدنا صالح و المؤمنون على هول الجريمة . . و مضى صالح و الذين آمنوا ليشاهدوا ما حلّ بناقة الله .
لم يجدوا سوى الدماء تلوّن الأرض و قمّة الجبل . .
ظهرت غيوم سوداء في الاُفق . . و أصبح الجوّ مشحوناً بالخطر .
فرّت كل الاشياء الجميلة . . فهؤلاء الأشرار لا يحبّون الخير قتلوا حيواناً وديعاً يهبهم اللبن كل يوم . .
قتلوا الناقة لأنها آية و الدليل على صدق رسالة صالح .
قال سيّدنا صالح لهم : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام فقط . . لسوف يحلّ بكم العذاب لانكم قوم ظالمون . . تكفرون برسالة الله و تقتلون ناقة الله و لا تحبون الخير .
لم يعتذر أهل ثمود . . لم يتوبوا بل فكّروا أيضاً بقتل سيدنا صالح . . فكّروا بقتل أسرته أيضاً .
مرّة أخرى اجتمعوا و قرّروا أن يهاجموا منزل صالح ليقتلوه هو الآخر ، و بعدها يمكنهم قهر المؤمنين المستضعفين . .
و لكن ماذا حصل ؟
قبل أن ينفّذوا جريمتهم الأخرى حدث شيء رهيب . . كانت الغيوم السوداء تتجمع في السماء . . حجبت النجوم و القمر و الكواكب و غرقت الوديان و الجبال في ظلمة كثيفة .
و في منتصف تلك الليلة .
أنقضت صاعقة سماوية جبّارة دمّرت قبيلة ثمود . . فقد استيقظ الظالمون على صيحة مدوّية انخلعت لها القلوب ، و كانت الصواعق المدمّرة تنقض على مضارب تلك القبيلة المجرمة فتهاوت القصور و المنازل و امتلأت الوديان ناراً . .
لم ينج أحد سوى سيدنا صالح و الذين آمنوا معه .
و هكذا كانت نهاية قبيلة ثمود . . فلم تشرق شمس اليوم الرابع من قتل الناقة ، الاّ على خرائب أُولئك الظالمين ، فأصبحوا في ديارهم جاثمين .