الســـــــــلام عليكم ورحمة وبركاته
ومفارقات أخرى من كتاب رب البرية رزقني الله وإياكم تدبر كتابه على الوجه الذي يرضيه عنا .
* ما دلالة اختلاف ترتيب الأقارب بين آية سورة عبس وآية سورة المعارج؟(د.فاضل السامرائى)
آية سورة عبس في الفرار يوم القيامة والمشهد مشهد فِرار وأن يخلو الواحد إلى نفسه وعادة الفِرار يبدأ من الأبعد إلى الأقرب فيكون الأقرب آخر من يفرّ منه الإنسان.
وأبعد المذكورين في الآية (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) هو الأخ لأنه أحياناً لا يرى الإنسان أخاه أشهراً فبدأ بالفرار منه ثم قدّم الأم على الأب في الفرار لأن الأم لا تستطيع أن تدفع عنه أو تنصره لكن الأب ينصره،
ثم أخّر الأبناء لأنهم ألصق شيء بالإنسان.
أما في سورة المعارج فالمشهد مشهد فِداء وذَكَر القرابات (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14))
وأقرب القرابة الأبناء والإنسان خلقه الله تعالى هلوعاً (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) المعارج)
إذا رأى مشهد العذاب أدركه الهلع فبدأ بالأقرب وهذا يوحي أن العذاب فوق ما يتصور الإنسان فافتدى بأعزّ ما يملك وهم أبناؤه ولم يذكر في الآية الافتداء بالأم أو الأب لأن الله تعالى أمر بالإحسان إليهما ودلّ على عظيم مكانة الأبوين فلا يمكن أن تفتدي بما يُتقرّب إليه فهل يُعقل أن يفتدي إلى الله تعالى بأبويه فهل هذا هو الإحسان إليهما أن تضعهما مكانك في جهنم؟ قد يفرّ منهما لكن لا يفتدي بهما أبدا.
*ما سبب إختلاف ترتيب الأقارب في الآيتين(يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس)؟(د.حسام النعيمى)
(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (
المعارج) الكلام على يوم القيامة (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) المعارج) نتوقف عند كلمة (يفتدي).
إذن الكلام هنا عن الفدية، أن يفدي نفسه، لما كان الكلام على فداء النفس، أن يقدِّم فداء لنفسه بدأ ببنيه، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه.
يقولون الواو لا تقتضي الترتيب لكن الإيراد بهذه الصورة له دلالته.
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس) إذن الكلام هنا على فرار، هناك كان الكلام عن فدية. نحن نكاد نكون قد أجبنا نصف الجواب الآن لما قلنا هناك على الفدية وهنا على الفرار.
لو تخيلنا الأمر على شكل دوائر محيطة بالإنسان: الدائرة الضيقة أقرب دائرة له هو الإبن الذي هو مظنّة أن يطيع أباه، الدائرة التي بعدها الزوجة المرتبطة بالأولاد، ثم الدائرة الأخرى دائرة الفصيل.
والفصيلة هي العشيرة أو الأقارب الأدنون من القبيلة. الإنسان لما يكون من قبيلة يكون عنده أقارب أدنون يعني أبناء العمومة وأبناء الخال التي ينتسب إليها في كثير من الأحيان.
فالافتداء، الإنسان لما يرى حاله يريد أن يفدي نفسه، يقدم شيئاً: خذوا هذا بدلي، أقرب شيء له هو ولده، أقرب الناس إليه الإبن.
فلهول المشهد في ذلك الوقت يتناول الأقرب خذوا هذا، لا ينفع يأخذ الذي بعده – الزوجة -، ثم الفصيل ثم ما في الأرض جميعاً بدلي، لاحظ الترتيب لأن فيه نوع من الفداء.
لما نأتي إلى سورة عبس، نوع من الفرار يعني الهزيمة، الإنسان لما يهرب يهرب من البُعداء أولاً، يتخلى عن من هو بعيد ثم يبدأ يتساقط شيئاً فشيئاً، لنقل كأنهم مرتبطون به فلما يركض أول من يخفف من ثقله: أخيه ثم أمه وأبيه، أيضاً يتخفف منهم. ونلاحظ هناك كان فداء لم يذكر الأم والأب لأنه لا يليق أن يفتدي الإنسان نفسه بأمه وأبيه، فلا يليق أن يذكر مع أنهم داخلون ضمن (ومن في الأرض جميعاً) لكن ما ذكر اسمهم لأن ذكر الأم والأب في الفداء مسألة كبيرة عند الناس أن يفدي نفسه بأمه وأبيه.
لكن في الهرب ممكن أن يقول هم يحارون بأنفسهم، يدبرون حالهم.(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)) التساقط صار شيئاً فشيئاً، (وبنيه) آخر شيء لاصق به كأنه شيء مرتبط بهذا الإنسان وهو يركض هارباً يتساقط البعيد ثم القريب ثم الأقرب حتى تعطى الصورة لهذا المشهد في يوم القيامة. فلما نتخيل هذه الصورة ونرى الفارق في الفداء وفي الفرار عند ذلك تتضح لماذا إختلف الترتيب .
(وصاحبته) هي زوجته والزوجة الإنسان ينام في حجرته معه زوجة وأولاده في السابق فهم أقرب إليه من غيرهم، فقد لا يكون في بيته الأم والأب.
الترتيب اختلف لأن الصورة اختلفت: هناك صورة فداء من يعطي وينجو بنفسه فيبدأ بأقرب شيء إليه، بينما الهارب كأنها سلسلة تتساقط يسقط البعيد منها ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم آخر شيء اللاصق به.
هذه الآية في سورة في مكان وهذه الآية في سورة في مكان ومحمد صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يرتب هذه الأمور، ألا يكفي هذا في الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ألا يفكر الإنسان أن هذا الرجل الأمي لا يصدر منه مثل هذا التنظيم في مكانين مختلفين تنظر هنا تجد شيئاً وتنظر هنا تجد شيئاً والذي قال الشيئين كان مدركاً لما يقول هنا ولما يقول هنا في آن والمدة متباعدة بين نزول هذه السورة ونزول هذه السورة، هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى
المرجع / لمسات بيانيه الدكتور فاضل سامرائي / والدكتور حسام النعيمي
اللهم تقبل مني واغفر لي زلتي وتجاوز عني يوم الحساب واقضي لي مافيه خير الآخرة قبل الدنيا يأرب العباد وجميع المسلمين والمسلمات