قوله تعالى : ( ولوطا إذ قال لقومه إنكم ) قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : " أئنكم " بالاستفهام ، وقرأ الباقون بلا استفهام ، واتفقوا على استفهام الثانية ( لتأتون الفاحشة ) وهي إتيان الرجال ( ما سبقكم بها من أحد من العالمين )
( أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل ) وذلك أنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين ، فترك الناس الممر بهم . وقيل : تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء ( وتأتون في ناديكم المنكر ) النادي ، والندى ، والمنتدى : مجلس القوم ومتحدثهم . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو العباس بن سهل بن محمد المروزي ، أخبرنا جدي لأمي أبو الحسن المحمودي ، أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أن بشر بن معاذ حدثهم : أخبرنا يزيد بن زريع ، أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن أبي صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب [ عن أم هانئ ] قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : ( وتأتون في ناديكم المنكر ) قلت : ما المنكر الذي كانوا يأتونه ؟ قال : " كانوا يحذفون أهل الطرق ويسخرون بهم " .
[ ص: 240 ]
ويروى أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيه حصى فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به . وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم ، ولهم قاض بذلك . وقال القاسم بن محمد : كانوا يتضارطون في مجالسهم . وقال مجاهد : كان يجامع بعضهم بعضا في مجالسهم . وعن عبد الله بن سلام قال : كان يبزق بعضهم على بعض . وعن مكحول قال : كان من أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء ، وحل الإزار ، والصفير ، والحذف ، واللواطية ( فما كان جواب قومه ) لما أنكر عليهم لوط ما يأتونه من القبائح ) ( إلا أن قالوا ) له استهزاء : ( ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ) أن العذاب نازل بنا ، فعند ذلك .
تفسير ابن كثير لنفس الايه :
التحليل الموضوعي[ ص: 276 ] ( ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( 28 ) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ( 29 ) قال رب انصرني على القوم المفسدين ( 30 ) )
يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام ، إنه أنكر على قومه سوء صنيعهم ، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال ، في إتيانهم الذكران من العالمين ، ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من بني آدم قبلهم . وكانوا مع هذا يكفرون بالله ، ويكذبون رسوله ويخالفونه ويقطعون السبيل ، أي : يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم ، ( وتأتون في ناديكم المنكر ) أي : يفعلون ما لا يليق من الأقوال والأفعال في مجالسهم التي يجتمعون فيها ، لا ينكر بعضهم على بعض شيئا من ذلك ، فمن قائل : كانوا يأتون بعضهم بعضا في الملأ قاله مجاهد . ومن قائل : كانوا يتضارطون ويتضاحكون ; قالته عائشة ، رضي الله عنها ، والقاسم . ومن قائل : كانوا يناطحون بين الكباش ، ويناقرون بين الديوك ، وكل ذلك كان يصدر عنهم ، وكانوا شرا من ذلك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حماد بن أسامة ، أخبرني حاتم بن أبي صغيرة ، حدثنا سماك بن حرب ، عن أبي صالح - مولى أم هانئ - عن أم هانئ قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله عز وجل : ( وتأتون في ناديكم المنكر ) ، قال : " يحذفون أهل الطريق ، ويسخرون منهم ، وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه " .
ورواه الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة عن أبي يونس القشيري حاتم بن أبي صغيرة به . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن سماك .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا محمد بن كثير ، عن عمرو بن قيس ، عن الحكم ، عن مجاهد : ( وتأتون في ناديكم المنكر ) قال : الصفير ، ولعب الحمام والجلاهق ، والسؤال في المجلس ، وحل أزرار القباء .
وقوله : ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ) ، وهذا من كفرهم واستهزائهم وعنادهم ; ولهذا استنصر عليهم نبي الله فقال : ( رب انصرني على القوم المفسدين ) .