بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
ما أحوج الإنسان في زمن طغت فيه المادة , وتعلق الناس فيه بالأسباب إلا
من رحم الله , إلى أن يجدد في نفسه قضية الثقة بالله , والاعتماد عليه في
قضاء الحوائج , وتفريج الكروب , فقد يتعلق العبد بالأسباب , ويركن إليها ,
وينسى مسبب الأسباب الذي بيده مقاليد الأمور , وخزائن السماوات والأرض ,
ولذلك نجد أن الله عز وجل يبين في كثير من المواضع في كتابه هذه القضية ,
كما في قوله تعالى : {وكفى بالله شهيدا} (الفتح 28) , وقوله : {وكفى بالله
وكيلا } (الأحزاب 3) , وقوله : { أليس الله بكاف عبده } (الزمر 36) , كل ذلك
من أجل ترسيخ هذا المعنى في النفوس , وعدم نسيانه في زحمة الحياة ,
وفي السنة قص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجلين من الأمم السابقة ,
ضربا أروع الأمثلة لهذا المعنى
----------------------------------------------
والقصة رواها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل , سأل بعض بني
إسرائيل أن يُسْلِفَه ألف دينار , فقال : ائتني بالشهداء أُشْهِدُهُم , فقال : كفى
بالله شهيدا , قال : فأتني بالكفيل , قال : كفى بالله كفيلا , قال : صدقت ,
فدفعها إليه إلى أجل مسمى , فخرج في البحر , فقضى حاجته , ثم التمس
مركبا يركبها يقْدَمُ عليه للأجل الذي أجله , فلم يجد مركبا , فأخذ خشبة
فنقرها فأدخل فيها ألف دينار , وصحيفةً منه إلى صاحبه , ثم زجَّجَ موضعها ,
ثم أتى بها إلى البحر , فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسَلَّفْتُ فلانا ألف
دينار , فسألني كفيلا , فقلت : كفى بالله كفيلا , فرضي بك , وسألني
شهيدا , فقلت : كفى بالله شهيدا , فرضي بك , وأَني جَهَدتُ أن أجد مركبا
أبعث إليه الذي له , فلم أقدِر , وإني أستودِعُكَها , فرمى بها في البحر حتى
ولجت فيه, ثم انصرف , وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده , فخرج
الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله , فإذا بالخشبة التي
فيها المال , فأخذها لأهله حطبا, فلما نشرها , وجد المال والصحيفة , ثم قَدِم
الذي كان أسلفه , فأتى بالألف دينار , فقال : والله ما زلت جاهدا في طلب
مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه , قال : هل كنت بعثت
إلي بشيء , قال : أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه , قال : فإن
الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة , فانْصَرِفْ بالألف الدينار راشدا )
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
------------------------------------------------
هذه قصة رجلين صالحين من بني إسرائيل , كانا يسكنان بلدا واحدا على
ساحل البحر , فأراد أحدهما أن يسافر للتجارة , واحتاج إلى مبلغ من المال ,
فسأل الآخر أن يقرضه ألف دينار , على أن يسددها له في موعد محدد ,
فطلب منه الرجل إحضار شهود على هذا الدين , فقال له : كفى بالله شهيدا ,
فرضي بشهادة الله , ثم طلب منه إحضار كفيل يضمن له ماله في حال عجزه
عن السداد , فقال له : كفى بالله كفيلا , فرضي بكفالة الله, مما يدل على
إيمان صاحب الدين , وثقته بالله عز وجل , ثم سافر المدين لحاجته , ولما
اقترب موعد السداد , أراد أن يرجع إلى بلده , ليقضي الدين في الموعد
المحدد , ولكنه لم يجد سفينة تحمله إلى بلده , فتذكر وعده الذي وعده ,
وشهادةَ الله وكفالتَه لهذا الدين , ففكر في طريقة يوصل بها المال في
موعده , فما كان منه إلا أن أخذ خشبة ثم حفرها , وحشى فيها الألف الدينار,
وأرفق معها رسالة يبين فيها ما حصل له , ثم سوى موضع الحفرة , وأحكم
إغلاقها , ورمى بها في عرض البحر , وهو واثق بالله , متوكل عليه , مطمئن
أنه استودعها من لا تضيع عنده الودائع , ثم انصرف يبحث عن سفينة يرجع بها
إلى بلده , وأما صاحب الدين , فقد خرج إلى شاطئ البحر في الموعد
المحدد , ينتظر سفينة يقدُم فيها الرجل أو رسولا عنه يوصل إليه ماله , فلم
يجد أحدا , ووجد خشبة قذفت بها الأمواج إلى الشاطئ , فأخذها لينتفع بها
أهله في الحطب , ولما قطعها بالمنشار وجد المال الذي أرسله المدين له
والرسالة المرفقة , ولما تيسرت للمدين العودة إلى بلده ,جاء بسرعة إلى
صاحب الدين , ومعه ألف دينار أخرى , خوفا منه أن تكون الألف الأولى لم تصل
إليه , فبدأ يبين عذره وأسباب تأخره عن الموعد , فأخبره الدائن بأن الله عز
وجل الذي جعله الرجل شاهده وكفيله , قد أدى عنه دينه في موعده
المحدد .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
إن هذه القصة تدل على عظيم لطف الله وحفظه , وكفايته لعبده إذا توكل
عليه وفوض الأمر إليه , وأثر التوكل على الله في قضاء الحاجات , فالذي يجب
على الإنسان أن يحسن الظن بربه على الدوام , وفي جميع الأحوال , والله
عز وجل عند ظن العبد به , فإن ظن به الخير كان الله له بكل خير أسرع , وإن
ظن به غير ذلك فقد ظن بربه ظن السوء .
دمتم بحفظ الله